زمن المطاحن القديمة الجميل يعود بحنين إلى بعض المناطق!
كل حقبة زمنية لها ذكرياتها واحداثها، واذا عدنا بالزمن الى الوراء نلاحظ ان الكثير مما استخدمناه سابقا قد اختفى او اندثر او قلّ استخدامه لتحل مكان الادوات القديمة تقنيات حديثة تواكب التطور التكنولوجي والصناعي على مستوى العالم اجمع.
ولكن تبقى الاستثناءات موجودة لدى اشخاص تمسكوا بقديمهم ورفضوا التخلي عن ادوات وآلات ورثوها عن آبائهم واجدادهم وكان لها دور كبير في السابق.
ان المطاحن القديمة التي تعتبر من التراث اللبناني والتي كان لها تأثير ووهج كبيرين وباتت رمزاً من رموز الحياة القديمة، يعود استخدامها الى فترة ما قبل الميلاد واستمر الاتكال عليها لفترة طويلة وهي من اولى التحولات بعد الاعتماد طويلاً على الحجر المنفرد لطحن الحبوب.فكانت المطاحن المائية تلعب دورا كبيرا باعتمادها على الماء وما يسمى بحجر الرحى كما كانت مكانا مميزا للتلاقي والتواصل الاجتماعي.
“عروسة المطاحن” التي ما زالت تتربع على عرشها في قضاء زغرتا – الزاوية وفي بلدة رشعين تحديداً، ما زالت تلعب دورها بامتياز والفضل الكبير يعود لنبع رشعين الكريم بعطاءاته والقوي بتدفق مياهه. فما هو سر صمودها وعملها حتى اليوم في حين غابت الكثير من المطاحن الاخرى في ظل التطور الصناعي الذي وضع جانبا مثل هذه الادوات التي كانت محورية في زمنها؟
المشرفة على طاحونة الماء في رشعين سعاد النشمي تقول في حديث لموقع “أحوال” ان هذه المطحنة الاثرية هي الوحيدة التي تعمل وتُنتج، والله انعم على قريتنا بنبع هو من انقى واجمل الينابيع، وتذكّر بانه كان يوجد على مجرى النبع ثمانية طواحين ولم يبقى منها الا “عروسة المطاحن” هذه المطحنة التي تعتبر صحيا وبيئيا من افضلها وتتفوق على الكثير من الالات الحديثة من ناحية جودة الحبوب وطعمها . وعدم تسببها باي تلوث بيئي لانها تعتمد على المياه حصراً وعلى جهدنا البشري بالدرجة الاولى، في حين ان المعامل الحديثة تعمل على المحروقات التي تسبب الكثير من التلوث، وتترك آثاراً غير مستحبة على النكهة.
وعن عمر المطحنة تؤكد النشمي ان بناءها يعود الى مئتي سنة والمياه جارية عليها منذ ذلك الحين وهي ما زالت على حالها، وأن ملكيتها هي للرهبنة المارونية.
وتلفت قائلة: ان قوة تدفق مياة نهر رشعين هي التي تعمل على دفع حجر الرحى الثقيل كما ان المجرى الهوائي ينقّي البرغل ، ولذلك فان عمل المطحنة يستدعي وجودها دائما حيث انها تقضي احيانا نهارها كله في المطحنة من الصباح وحتى إنتهاء عملية الطحن.
وتؤكد النشمي ان ذكريات الآباء والاجداد باقية معها (حيث كان الزمن الجميل) ولا يمكن ان تتخلى عنها خصوصا أن المطحنة باتت جزءاً مهماً من حياتها بعدما كان والدها قد استأجرها قديما واهتم بكل تفاصيلها،آملة العودة إلى ذاك الزمن المليء بالخير وربما نحن اليوم نعود اليه نتيجة ما نعيشه من ظروف اقتصادية وصعبة وغلاء كبير.
أهالي المنطقة وكل من يقصد هذه المطحنة الأثرية يؤكدون ان نكهة البرغل وغيرها من الحبوب التي تنتجها هي فعلا متميزة، ويستذكر الأهالي مراحل من حياتهم قضوها في هذه المطحنة التي كانت ولا تزال ولكن بشكل اقل نسبيا مكانا للتلاقي بين ابناء البلدة والجوار.
ويقول متخصصون بالآثار ان مثل هذه المطاحن، والتي توقف الكثير منها عن الانتاج والعمل نتيجة ما لحق بها من اهمال واضرار، باتت تحتاج الى عناية خاصة وترميم في مبانيها التي اصبحت ونتيجة مرور سنوات كثيرة معرضة لكثير من المخاطر وخصوصا انها بمحاذاة المياه.
ان هذا الشعور الذي يمر مع ذكريات الماضي وادواته لا يمكن ان تمحيه السنون، شعور طبع قلوب أهلنا واجدادنا حيث كانت المطاحن وسواها تشكل روحاً للتواصل الاجتماعي بين المحبين الذي كان برأيهم الأجمل والأحب على قلوبهم، ليعمل زمن التقنيات على تغيير الكثير من اساليب وطرق العيش.
فهل سنصبح في زمن الروبوتات ويغيب الانسان بعقله وذكائه عن جميع مجالات العمل والانتاج؟
مرسال الترس